top of page
© Copyright

رؤية المملكة 2030 والتقنيات الحديثة: تأثير النماذج اللغوية الصغيرة على مستقبل التعليم العالي السعودي

صورة الكاتب: د. سامر المغامسيد. سامر المغامسي



في عصر تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي، تبرز النماذج اللغوية الصغيرة (SLMs) كأداة ثورية لقادة التعليم العالي الباحثين عن استغلال قوة الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة بطرق مبتكرة وفعّالة. تُعدّ هذه النماذج إصدارًا مصغرًا ومتكاملًا من النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) التي أسهمت في ظهور أدوات مثل ChatGPT وأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي الأخرى.

يمكننا تشبيه العلاقة بينهما بما بين الساعة الذكية والحاسوب المكتبي؛ فالساعة الذكية تجسد جزءًا من قدرة الحاسوب العملاقة، مما يمنحها القدرة على تقديم خدمات محددة بفعالية وخفة، دون الحاجة للحجم والتعقيد المرتبطين بالحاسوب المكتبي الذي لا يمكن نقله بسهولة لمهام الحياة اليومية. وهكذا، تتيح النماذج اللغوية الصغيرة للمؤسسات التعليمية تحقيق فوائد كبيرة بتكاليف تشغيل أقل وبأقل تعقيد، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لتعزيز أنظمة التعليم والإدارة.

كما تمتاز هذه النماذج بمرونتها وإمكانية استخدامها على أجهزة الحافة الشبكية مثل الهواتف الذكية، والكاميرات، وأجهزة الاستشعار في إنترنت الأشياء، مما يفتح آفاقًا جديدة للاستخدامات الإبداعية التي يمكن أن تحول الحرم الجامعي إلى بيئة ذكية متصلة. مع هذه الإمكانيات، يصبح المستقبل أكثر إشراقًا للمؤسسات التعليمية التي تتطلع لتطبيق أحدث التقنيات الرقمية دون الحاجة لاستثمارات ضخمة أو التعقيد المفرط في البنية التحتية.

ما هي النماذج اللغوية الصغيرة؟

في إطار رؤية المملكة 2030 والتحول الرقمي الذي تشهده السعودية، تُعدّ النماذج اللغوية الصغيرة (SLMs) بمثابة بوابة مبتكرة لتعزيز الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. فهي امتدادٌ متطور للنماذج اللغوية الكبيرة التي أحدثت ثورة في عالم التكنولوجيا منذ إطلاق ChatGPT في أواخر عام 2022. تعتمد ChatGPT، على سبيل المثال، على وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) لتحليل كميات ضخمة من البيانات النصية والصوتية والبصرية، حيث تُعالج مئات المليارات أو حتى التريليونات من المعاملات وفقًا لتقديرات شركة IBM. وعلى النقيض، تعمل النماذج اللغوية الصغيرة بعدد أقل بكثير من المعاملات – يتراوح بين بضعة ملايين إلى مليار – مما يجعلها أكثر كفاءةً في حالات استخدام محددة دون الحاجة للتعقيد والتكاليف المرتبطة بالنماذج الكبيرة.

تشهد الجامعات السعودية ومراكز البحوث اهتمامًا متزايدًا بهذه التقنية؛ فهي لا تعزز العملية التعليمية فقط، بل تُسهم أيضًا في تطوير الخدمات الحكومية والقطاع الخاص. ففي ظل تنامي مشروعات التحول الرقمي وتحديث البنية التحتية، تُعدّ SLMs أداة استراتيجية لتقديم حلول تعليمية متقدمة وتحسين تجربة المستخدم في مختلف المجالات مثل النقل، والإسكان، والصحة، وإنفاذ القانون، والرياضة.

يُبرز سيدني فرنانديز، نائب رئيس جامعة جنوب فلوريدا (USF) للتجارب الرقمية، هذه الفكرة بقوله:"معظم الجامعات تشبه المدن الصغيرة؛ فهي لا تدير العملية التعليمية فقط، بل تشرف أيضًا على النقل، والإسكان، والخدمات الصحية، والبنية التحتية، وإنفاذ القانون، والرياضة، وغيرها." هذه الرؤية تتماشى مع التوجهات السعودية نحو التنوع والتخصص في تقديم الخدمات، مما يوفر فرصًا واعدة لتطبيق النماذج اللغوية الصغيرة بطرق موجهة تلبي احتياجات القطاعات المختلفة.

باختصار، تُشكل النماذج اللغوية الصغيرة أداة فعّالة لدعم التحول الرقمي في المملكة، حيث تساهم في تعزيز الكفاءة والابتكار في التعليم والإدارة العامة والخدمات الرقمية، مما يدعم مسيرة التنمية الشاملة والرؤية المستقبلية للمملكة.


الاختلافات الأساسية بين SLM وLLM: مزايا رئيسية

تتميز النماذج اللغوية الصغيرة (SLMs) عن النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) بعدة فروقات جوهرية تتعلق بالكفاءة والتكلفة والمرونة في التشغيل. فيما يلي توضيح لأبرز هذه الاختلافات والمزايا الرئيسية:

  1. الكلفة التشغيلية والموارد: تعتمد النماذج الكبيرة مثل ChatGPT على عدد ضخم من المعاملات (مئات المليارات أو التريليونات) مما يتطلب استخدام وحدات معالجة رسوميات (GPUs) متطورة وتكاليف طاقة عالية، وهذا يجعلها مكلفة من حيث التشغيل والصيانة. في المقابل، تستخدم النماذج الصغيرة عددًا أقل بكثير من المعاملات (يتراوح بين بضعة ملايين إلى مليار)، مما يؤدي إلى تقليل الحاجة لموارد حسابية ضخمة وبالتالي انخفاض التكاليف التشغيلية.

  2. كفاءة الأداء والتطبيقات المتخصصة: بينما تتميز النماذج الكبيرة بقدرتها على التعامل مع سياقات معقدة وتوليد محتوى واسع النطاق، تبرز النماذج الصغيرة في حالات الاستخدام المحددة التي لا تتطلب معالجة بيانات ضخمة. فهي قادرة على تقديم أداء جيد في تطبيقات محددة مثل الردود الآلية على الاستفسارات أو تحليل البيانات في الوقت الفعلي، مما يجعلها خيارًا مثاليًا للمؤسسات ذات الميزانيات المحدودة أو للأنظمة التي تعمل على أجهزة الحافة.

  3. مثال توضيحي – نموذج DeepSeek: يعتبر نموذج DeepSeek، وهو نموذج مفتوح المصدر من الصين، مثالًا حيًا على قدرات النماذج اللغوية الصغيرة. حيث أثبت هذا النموذج كفاءته بتكلفة تشغيل منخفضة، مما دفع المستثمرين إلى قلق مؤقت من تأثيره على الشركات الكبرى مثل NVIDIA، الرائدة عالميًا في تصنيع وحدات معالجة الرسوميات. هذا الحدث أبرز كيف يمكن لنموذج صغير مصمم بشكل فعّال أن يُحدث ثورة في السوق بفضل قدرته على تقليل التكاليف دون التضحية بالكفاءة في حالات الاستخدام المتخصصة.

  4. مرونة الاستخدام والتكامل مع الأنظمة:تُعد النماذج الصغيرة أكثر ملاءمة للتكامل مع الأجهزة المحمولة وأجهزة إنترنت الأشياء، حيث يمكن تثبيتها محليًا على أجهزة ذات قدرات محدودة دون الحاجة لاتصال دائم بخوادم ضخمة. وهذا يتيح للمؤسسات، بما فيها الجامعات ومراكز البحوث، تطبيق حلول ذكية في مجالات متعددة مثل التعليم، والرعاية الصحية، والنقل، دون الحاجة لاستثمارات ضخمة في البنية التحتية.

باختصار، تقدم النماذج اللغوية الصغيرة مزايا كبيرة تتعلق بتخفيض التكاليف التشغيلية، وتوفير موارد حسابية أقل، وتسهيل التكامل مع الأنظمة المختلفة، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لتطبيقات محددة لا تتطلب القدرات الهائلة للنماذج الكبيرة. هذه المزايا تجعل SLMs أداة قوية للمؤسسات التي تسعى إلى تحقيق تحول رقمي فعال ومستدام دون الحاجة لاستثمارات ضخمة في التكنولوجيا.

كيف يمكن للجامعات الاستفادة من النماذج اللغوية الصغيرة؟

في ظل رؤية المملكة 2030 والتحول الرقمي المتسارع، باتت الجامعات السعودية تسعى لتحقيق التميز والابتكار باستخدام أحدث التقنيات. تُعدّ النماذج اللغوية الصغيرة (SLMs) أداة استراتيجية يمكن أن تُحدث تحولًا كبيرًا في العملية التعليمية والإدارية داخل الجامعات السعودية. فيما يلي أبرز المجالات التي يمكن للجامعات الاستفادة منها:

تقليل التكاليف وتعزيز الكفاءة: وفقًا للدراسات العالمية، تمتلك نسبة ضئيلة فقط من الجامعات مصادر تمويل جديدة لتغطية تكاليف مشاريع الذكاء الاصطناعي. هنا تُبرز SLMs قدرتها على تقديم حلول فعالة بتكلفة تشغيل منخفضة، مما يتيح للجامعات السعودية استغلال الموارد المتاحة وتحويلها إلى قيمة مضافة دون الحاجة لاستثمارات ضخمة. وهذا يُعد أمرًا مهمًا خاصةً في ظل سعي الجامعات لتحقيق كفاءة اقتصادية تدعم استدامة مشروعاتها الرقمية.

تحسين الحوكمة وحماية البيانات: مع تزايد التحديات الأمنية والخصوصية في عصر البيانات الضخمة، تتيح النماذج الصغيرة تشغيل التطبيقات محليًا على خوادم الجامعات. هذا يساهم في تقليل المخاطر الأمنية والحفاظ على سرية المعلومات الحساسة، سواء كانت متعلقة بالطلاب أو الموظفين أو البيانات البحثية. وبما أن الجامعات السعودية تلعب دورًا حيويًا في تطوير البحث العلمي والتعليم، فإن حماية البيانات تُعد من الأولويات الأساسية التي تدعم الثقة والشفافية.

تقليل الأثر البيئي: من المعروف أن النماذج اللغوية الكبيرة تتطلب موارد طاقة هائلة مما يؤدي إلى بصمة كربونية مرتفعة. وفي سياق الاستدامة البيئية التي تُوليها المملكة أهمية كبيرة، تُعتبر SLMs خيارًا بيئيًا متفوقًا؛ فهي أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، مما يسهم في تقليل التأثير البيئي وتشجيع الجامعات على تبني تقنيات ذكية صديقة للبيئة.

التطبيق على أجهزة الحافة (Edge Devices): يمكن تثبيت النماذج اللغوية الصغيرة على أجهزة الحافة مثل الهواتف الذكية، والكاميرات، وأجهزة الاستشعار، مما يسمح بإجراء تحليلات متقدمة مباشرة على الأجهزة دون الحاجة لنقل البيانات إلى خوادم خارجية. هذه الخاصية تُعد مثالية للجامعات التي تسعى لتطوير تطبيقات ذكية في مجالات مثل الأمن الجامعي والرعاية الصحية وإدارة المرافق. كما يُمكن استخدامها في تطوير خدمات متخصصة مثل مراقبة البنية التحتية وتحليل البيانات في الوقت الفعلي، وهو ما يتماشى مع تطلعات التحول الرقمي في المملكة.

باختصار، تُقدم النماذج اللغوية الصغيرة فرصًا واعدة للجامعات السعودية لتحقيق تحول رقمي شامل؛ حيث تُسهم في خفض التكاليف، وتحسين أمان البيانات، وتقليل الأثر البيئي، وتوفير حلول ذكية تلبي احتياجات القطاعات المتعددة. وهذا بدوره يعزز من مكانة الجامعات كمراكز للابتكار والتطوير تساهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.

كيف يمكن أن تغير SLMs التعليم العالي؟

في ظل رؤية المملكة 2030 والتوجه نحو التحول الرقمي، تحمل النماذج اللغوية الصغيرة (SLMs) إمكانات هائلة لإحداث ثورة في التعليم العالي بالمملكة على مستويات متعددة، مما يسهم في تعزيز جودة التعليم وتطوير الإدارة الجامعية وتأمين البيانات. فيما يلي توضيح لكيفية تأثير هذه التكنولوجيا على القطاع الأكاديمي والإداري في الجامعات السعودية:

في المجال الأكاديمي: تُمكن SLMs الجامعات السعودية من تطوير مناهج تعليمية تفاعلية ومخصصة، حيث يمكن تثبيتها في أقسام أكاديمية محددة لدعم البرامج الدراسية وتقديم محتوى تفاعلي يُسهم في تحسين تجربة التعلم. على سبيل المثال، يمكن استخدامها لتدريب الطلاب على مفاهيم أساسية في المقررات الدراسية، وتوفير دعم ذكي لاستفساراتهم عبر الدردشات الآلية، مما يعزز من مهارات التفكير النقدي والإبداعي. كما يمكن دمج هذه النماذج في مشاريع البحث العلمي لتوليد أفكار جديدة وتحليل البيانات بكفاءة عالية.

في الإدارة الجامعية: تساهم SLMs في تحسين العمليات الإدارية داخل الجامعات من خلال تدريبها على أنظمة الصيانة التنبؤية وإدارة الموارد بكفاءة. يمكن لهذه النماذج تحليل بيانات المرافق والتجهيزات لتحديد الأعطال المحتملة قبل وقوعها، مما يُسهم في تقليل التكاليف التشغيلية وتحسين كفاءة الصيانة. هذا النهج يواكب التوجهات السعودية نحو الإدارة الذكية والابتكار في القطاعات الحكومية والتعليمية، مما يدعم الجهود الرامية إلى تحقيق بيئة تعليمية متطورة ومستدامة.

في الأمان والخصوصية: تعتبر حماية البيانات أمرًا بالغ الأهمية في ظل التحديات الأمنية المتزايدة، ولا سيما في المؤسسات التعليمية التي تدير كميات هائلة من المعلومات الحساسة. عند تشغيل SLMs محليًا على خوادم الجامعات، تقل مخاطر تعرض البيانات للاختراق مقارنة بالأنظمة السحابية. هذا يعزز من مستوى الأمان والخصوصية ويضمن التزام الجامعات السعودية بمعايير حماية البيانات، مما يساهم في بناء الثقة بين الطلاب والهيئات الأكاديمية.

التحديات والاعتبارات: على الرغم من المزايا العديدة التي تقدمها النماذج اللغوية الصغيرة، إلا أنها تتطلب وضع سياسات حوكمة بيانات قوية للتأكد من تقديم نتائج دقيقة وخالية من التحيز. يتعين على الجامعات السعودية مراقبة وتحديث هذه النماذج بانتظام لضمان توافقها مع الأهداف التعليمية والإدارية، مع مراعاة معايير الجودة والامتثال للأنظمة المحلية والدولية. وهذا يشمل تدريب الكوادر الفنية وتطوير بيئة عمل داعمة للابتكار التقني.

تُشكل النماذج اللغوية الصغيرة أداة استراتيجية تسهم في إحداث تحول رقمي شامل في التعليم العالي السعودي، مما يعزز من جودة التعليم، ويرفع من كفاءة الإدارة، ويضمن أمان البيانات، مع تقديم فرص بحثية وتدريبية متقدمة. إن تبني هذه التقنيات يدعم مسيرة التطوير والابتكار في الجامعات ويساهم في تحقيق رؤية المملكة 2030 للتعليم والتحول الرقمي.


على الرغم من أن النماذج اللغوية الصغيرة لا تزال في مرحلة التطوير، فإنها تقدم حلاً فعالًا ومبتكرًا لمؤسسات التعليم العالي التي تسعى لتبني الذكاء الاصطناعي بتكاليف أقل وخصوصية أعلى. يحمل مستقبل هذه التكنولوجيا إمكانات هائلة، وسيكون على الجامعات إدارة أجهزتها الذكية بحكمة لتحقيق أقصى استفادة من هذه التطورات. مع استمرار الابتكار وتطور تقنيات الضغط والتقطير، من المتوقع أن تشهد البيئة التعليمية ثورة تقنية تُحدث تحولاً إيجابيًا في الأداء الأكاديمي والإداري على حد سواء.

Comments


bottom of page