top of page
© Copyright

الذكاء الاصطناعي يتطور: GPT-4.5 يُحاكي أسلوب التفكير البشري

صورة الكاتب: د. سامر المغامسيد. سامر المغامسي


شهد عالم الذكاء الاصطناعي تحولًا كبيرًا مع ظهور تقنيات متطورة أحدثت ثورة في قدرات الآلات على التفاعل مع البشر. ففي أواخر عام 2022، قدمت OpenAI تقنية GPT-4 في تجارب خاصة أدهشت حتى أرقى خبراء الذكاء الاصطناعي بقدرتها على الإجابة على الأسئلة، كتابة الشعر، وتوليد الأكواد البرمجية بأسلوب فريد ومتقدم. وقد كان لهذا الإنجاز أثر بالغ على المشهد التقني، حيث فتح آفاقًا جديدة للتطبيقات العملية في مختلف المجالات.

من GPT-4 إلى GPT-4.5: خطوة نوعية نحو التفكير المتسلسل

بعد أكثر من عامين من إطلاق GPT-4، أعلنت OpenAI عن إصدار GPT-4.5، الذي يمثل نقطة تحول في نهج تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي. ففي السابق كانت الأنظمة تعتمد على ردود فورية مبنية على استرجاع المعلومات وتحليلها، بينما يأتي GPT-4.5 بتقنية "التفكير المتسلسل"، التي تتيح للنظام أن يأخذ وقتًا للتأمل في السؤال قبل إصدار الإجابة. يُشبه هذا الأسلوب طريقة تفكير الإنسان، حيث يتم معالجة المعلومات عبر سلسلة من الخطوات المنطقية تصل إلى استنتاج نهائي.

هذا التغيير التقني ليس مجرد تعديل سطحي، بل هو نقلة نوعية تهدف إلى تحسين جودة التفاعل بين الإنسان والآلة. إذ أصبح من المتوقع أن تتميز المحادثات مع GPT-4.5 بطابع أكثر طبيعية وفهم أعمق لطلبات المستخدمين، مما يعزز من مصداقية الإجابات ودقتها. وتؤكد ميا جلايس، نائبة رئيس البحث في OpenAI، أن النموذج الجديد قادر على فهم السياق والنية بشكل أفضل، مما يفتح آفاقًا واسعة للتطبيقات في مجالات متعددة.

التقنيات الداعمة: التعلم المعزز والتفكير المنطقي

ليس GPT-4.5 مجرد تطوير في الواجهة الحوارية، بل هو نتاج جهود بحثية مكثفة لتطوير أنظمة قادرة على حل المشكلات المعقدة من خلال سلسلة من الخطوات المنطقية. تُستخدم في هذا السياق تقنيات مثل التعلم المعزز، التي تُمكّن النموذج من تحسين أدائه عبر تجارب متكررة وتحليل النتائج للوصول إلى الطريقة المثلى لحل المشكلات. على سبيل المثال، عند مواجهة مسائل رياضية أو تحديات برمجية، يقوم النظام بتجربة عدة طرق ويستخلص منها أفضل نهج للوصول إلى الإجابة الصحيحة.

وفي الخريف الماضي، قدمت OpenAI تقنية أخرى تحت مسمى "OpenAI o1"، وهي مُصممة للتعامل مع مهام معقدة تشمل الرياضيات والبرمجة والعلوم. تعكس هذه المبادرات الجهود المبذولة ليس فقط لتحسين أداء النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) بل ولتطوير نظام قادر على التفكير والتحليل بشكل يشبه إلى حد بعيد أساليب التفكير البشري.

المنافسة والابتكار في ساحة الذكاء الاصطناعي

لا تقف OpenAI وحيدة في هذه الرحلة؛ إذ تتنافس شركات عملاقة مثل Google وMeta، بالإضافة إلى الشركات الناشئة مثل DeepSeek، على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. ويُعدّ توجيه البحث نحو أنظمة تعتمد على التفكير المتسلسل خطوة استراتيجية لتعزيز قدرة الآلات على معالجة المعلومات بشكل متعمق ومنهجي. هذه النظم قد تثبت جدارتها في مجالات تتطلب دقة عالية مثل البرمجة، التحليل العلمي، وحتى الاستشارات التقنية.

ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن هذه النظم، رغم تطورها الملحوظ، لا تزال عرضة لبعض التحديات؛ منها إمكانية الوقوع في أخطاء أو توليد معلومات غير دقيقة، وهي ظاهرة تعرف باسم "الهلوسة" في سياق الذكاء الاصطناعي. لذا فإن مسيرة التطوير لا تزال مستمرة، مع التركيز على تحسين دقة النماذج وتعزيز قدرتها على التمييز بين المعلومات الصحيحة والخاطئة.

في إطار سعيها لتوسيع قاعدة مستخدميها، أعلنت OpenAI أن GPT-4.5 سيكون متاحًا لمشتركي خدمة ChatGPT Pro مقابل 200 دولار شهريًا. وهذه الخطوة تأتي في وقت يشهد فيه السوق تنافسًا محتدمًا، حيث يسعى العديد من اللاعبين إلى تقديم حلول ذكاء اصطناعي متطورة تلبي احتياجات المستخدمين على نحو أفضل.

ومن جانب آخر، تواجه OpenAI تحديات قانونية من جهة صحيفة نيويورك تايمز، التي رفعت دعوى قضائية بتهمة انتهاك حقوق النشر للمحتوى الإخباري. تُبرز هذه القضية المخاطر القانونية التي قد تواجه الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصةً في ظل استخدام مصادر متنوعة من المحتوى من الإنترنت لتدريب النماذج.

يمثل إطلاق GPT-4.5 خطوة جديدة في مسيرة تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث يقترب العلماء والباحثون من تحقيق أنظمة تستطيع التفكير والتحليل كما يفعل الإنسان. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق توازن بين التطور التقني والحفاظ على دقة المعلومات وحقوق الملكية الفكرية.

وفي ظل استمرار المنافسة والابتكار، يمكننا توقع المزيد من التحسينات التي ستدفع حدود ما هو ممكن في عالم الذكاء الاصطناعي، مما سيؤثر إيجابيًا على مختلف المجالات من التعليم والطب إلى الصناعة والتقنية. يبقى السؤال المطروح: كيف ستشكل هذه التقنيات مستقبل التفاعل بين الإنسان والآلة، وهل سنشهد ثورة حقيقية في طرق التفكير والتحليل؟ الإجابة على هذه التساؤلات قد تكون واحدة من أهم تحديات وآمال عصرنا الرقمي.


Comments


bottom of page